فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: الآيات 191- 193]

{أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193)}.
أجريت الأصنام مجرى أولى العلم في قوله: {وهُمْ يُخْلَقُونَ} بناء على اعتقادهم فيها وتسميتهم إياها آلهة. والمعنى: أيشركون ما لا يقدر على خلق شيء كما يخلق اللّه، وهم يخلقون؟ لأن اللّه عز وجل خالقهم. أو لا يقدر على اختلاق شيء، لأنه جماد، وهم يخلقون، لأن عبدتهم يختلقونهم، فهم أعجز من عبدتهم {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ} لعبدتهم نَصْرًا {وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث، بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ} وإن تدعوا هذه الأصنام إِلَى الْهُدى أي إلى ما هو هدى ورشاد، وإلى أن يهدوكم. والمعنى: وإن تطلبوا منهم كما تطلبون من اللّه الخير والهدى، {لا يتبعوكم} إلى مرادكم وطلبتكم، ولا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه. ويدل عليه قوله: {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أم} صمتم عن دعائهم، في أنه لا فلاح معهم. فإن قلت: هلا قيل: أم صمتم؟ ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية؟ قلت: لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا اللّه دون أصنامهم، كقوله: {وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم، فقيل: إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم، وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم.

.[سورة الأعراف: الآيات 194- 195]

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195)}.
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون اللّه عِبادٌ أَمْثالُكُمْ وقوله: {عِبادٌ أَمْثالُكُمْ} استهزاء بهم، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم. ثم أبطل أن يكونوا عبادًا أمثالهم فقال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها} وقيل: عباد أمثالكم مملوكون أمثالكم. وقرأ سعيد بن جبير: {إن الذين تدعون من دون اللّه عبادًا أمثالكم} بتخفيف إن ونصب {عبادًا أمثالكم} والمعنى: ما الذين تدعون من دون اللّه عبادًا أمثالكم، على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية {قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ} واستعينوا بهم في عداوتي {ثُمَّ كِيدُونِ جميعًا} أنتم وشركاؤكم {فَلا تُنْظِرُونِ} فإنى لا أبالى بكم، ولا يقول هذا إلا واثق بعصمة اللّه، وكانوا قد خوّفوه آلهتهم فأمر أن يخاطبهم بذلك، كما قال قوم هود له: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ} قال لهم: {إَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ}.

.[سورة الأعراف: الآيات 196- 197]

{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)}.
{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ} أي ناصري عليكم اللّه {الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ} الذي أوحى إلىّ كتابه وأعزنى برسالته {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم.

.[سورة الأعراف: آية 198]

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)}.
{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} يشبهون الناظرين إليك، لأنهم صوّروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه {وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} وهم لا يدركون المرئىّ.

.[سورة الأعراف: آية 199]

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)}.
{الْعَفْوَ} ضد الجهد: أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم، وتسهل من غير كلفة، ولا تداقهم، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا، كقوله صلى اللّه عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا» قال:
خذي العفو منى تستديمى مودّتى ** ولا تنطقى في سورتي حين أغضب

وقيل: خذ الفضل وما تسهل من صدقاتهم، وذلك قبل نزول آية الزكاة، فلما نزلت أمر أن يأخذهم بها طوعًا أو كرهًا. والعرف: المعروف والجميل من الأفعال {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، وأغض على ما يسوؤك منهم. وقيل: لما نزلت الآية سأل جبريل فقال: لا أدرى حتى أسأل، ثم رجع فقال: يا محمد، إن ربك أمرك أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. وعن جعفر الصادق: أمر اللّه نبيه عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

.[سورة الأعراف: آية 200]

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ} وإما ينخسنك منه نخس، بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} ولا تطعه. النزغ والنسغ: الغرز والنخس، كأنه ينخس الناس حين يغريهم على المعاصي. وجعل النزغ نازغا، كما قيل جدّ جدّه. وروى أنها لما نزلت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «كيف يا رب والغضب» فنزل {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ} ويجوز أن يراد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب، كقول أبى بكر رضي الله عنه: إنّ لي شيطانًا يعتريني.

.[سورة الأعراف: الآيات 201- 202]

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202)}.
طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ لمة منه مصدر، من قولهم: طاف به الخيال يطيف طيفًا. قال:
أنَّى ألَمَّ بِكَ الْخَيَالُ بَطِيفُ

أو هو تخفيف طيف فيعل، من طاف يطيف كلين. أو من طاف يطوف كهين. وقرئ: {طائف}، وهو يحتمل الأمرين أيضًا. وهذا تأكيد وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة باللّه عند نزغ الشيطان، وأنّ المتقين هذه عادتهم: إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته {تَذَكَّرُوا} ما أمر اللّه به ونهى عنه، فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه أنفسهم. وأما إخوان الشياطين الذين ليسوا بمتقين، فإن الشياطين يمدونهم في الغى، أي يكونون مددًا لهم فيه ويعضدونهم. وقرئ: {يمُدّونهم} من الامداد. {ويمادّونهم}، بمعنى يعاونونهم {ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا. وقوله: {وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ} كقوله:
قَوْمٌ إذَا الْخَيْلُ جَالُوا في كَوَاثِبِهَا

في أنّ الخبر جار على ما هو له. ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين، ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين، فيكون الخبر جاريا على ما هو له، والأوّل أوجه، لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا. فإن قلت: لم جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد؟ قلت: المراد به الجنس، كقوله: {أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}.

.[سورة الأعراف: آية 203]

{وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}.
اجتبى الشيء، بمعنى جباه لنفسه: أي جمعه، كقولك: اجتمعه، أو جبى إليه فاجتباه: أي أخذه، كقولك: جليت إليه العروس فاجتلاها، ومعنى {لَوْلا اجْتَبَيْتَها} هلا اجتمعتها، افتعالا من عند نفسك، لأنهم كانوا يقولون: ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً أو هلا أخذتها منزّلة عليك مقترحة؟ {قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} ولست بمفتعل للآيات، أو لست بمقترح لها هذا بَصائِرُ هذا القرآن {بصائر مِنْ رَبِّكُمْ} أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب.

.[سورة الأعراف: آية 204]

{وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}.
{وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة وغير صلاة. وقيل: كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت، ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن. وقيل معناه: وإذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له. وقيل: معنى فاستمعوا له: فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه.

.[سورة الأعراف: آية 205]

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)}.
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} هو عامّ في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} متضرعًا وخائفًا {وَدُونَ الْجَهْرِ} ومتكلما كلامًا دون الجهر، لأنّ الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكر {بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} لفضل هذين الوقتين. أو أراد الدوام. ومعنى {بالغدوّ} بأوقات الغدوّ، وهي الغدوات. وقرئ: {والإيصال} من آصل إذا دخل في الأصيل، كأقصر وأعتم وهو مطابق للغدوّ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ} من الذين يغفلون عن ذكر اللّه ويلهون عنه.

.[سورة الأعراف: آية 206]

{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}.
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} هم الملائكة صلوات اللّه عليهم. ومعنى {عِنْدَ} دنوّ الزلفة، والقرب من رحمة اللّه تعالى وفضله، لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره، وهو تعريض بمن سواهم من المكلفين.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من «قرأ سورة الأعراف جعل اللّه يوم القيامة بينه وبين إبليس سترًا، وكان آدم شفيعًا له يوم القيامة». اهـ.

.قال ابن جزي:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة}.
السائلون اليهود أو قريش، وسميت القيامة ساعة لسرعة حسابها كقوله: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} معنى أيان: متى، ومرساها: وقوعها وحدوثها، وهي من الإرساء بمعنى الثبوت {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} أي استأثر الله بعلم وقوعها ولم يطلع عليه أحد {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} معنى يجليها يظهرها، فهو من الجلاء ضدّ الخفاء، واللام في لوقتها ظرفية: أي عند وقتها، والمعنى لا يظهر الساعة عند مجيء وقتها إلا الله: {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} في معناه ثلاثة أقوال: الأول: ثقلت على أهل السموات والأرض لهيبتها عندهم وخوفهم منها، والثاني: ثقلت على أهل السموات والأرض أنفسها لتفطر السماء فيها وتبديل الأرض، والثالث: معنى ثقلت: أي ثقل علمها أي خفي {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} الحفيّ بالشيء هو المهتم به المعتني به، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفيّ بعلمها وقيل: المعنى يسألونك عنها كأنك حفيِّبهم لقرابتك منهم، فعنها على هذين القولين يتعلق بيسألونك، وقيل المعنى يسألونك كأنك حفي بالسؤال عنها {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير} براءة من علم الغيب، واستدلال على عدم علمه {وَمَا مَسَّنِيَ السواء} عطف على لاستكثرت من الخير أي لو علمت الغيب لاستكثرت من الخير، واحترست من السوء ولكن لا أعلمه فيصيبني ما قدر لي من الخير والشر، وقيل: إن قوله وما مسني السوء: استئناف إخبار، والسوء على هذا هو الجنون واتصاله بما قبله أحسن {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يجوز أن يتعلق ببشير ونذير معًا أي أبشر المؤمنين وأنذرهم، وخص بهم البشارة والنذارة، لأنهم هم الذين ينتفعون بها، ويجوز أن يتعلق بالبشارة وحدها، ويكون المتعلق بنذير محذوف أي نذير للكافرين، والأول أحسن.
{مِّن نَّفْسٍ واحدة} يعني آدم {زَوْجَهَا} يعني حوّاء {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} يميل إليها ويستأنس بها {تغشاها} كناية عن الجماع {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} أي خف عليها ولم تلق منه ما يلقى بعض الحوامل من حملهن من الأذى والكرب، وقيل: الحمل الخفيف المني في فرجها {فَمَرَّتْ بِهِ} قيل: معناه استمرت به إلى حين ميلاده، وقيل: الحمل معناه قامت وقعدت {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة {لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحا} أي ولدًا صالحًا سالمًا في بدنه {فَلَمَّا آتاهما صالحا} أي لما آتاهما ولدًا صالحًا كما طلبا: جعل أولادهما له شركاء فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك فيما آتاهما: أي فيما آتى أولادهما وذريتهما، وقيل: إن حواء لما حملت جاءها إبليس وقال لها: إن أطعتيني وسميت ما في بطنك عبد الحارث، فسأخلصه لك، وكان اسم إبليس الحارث، وإن عصيتني في ذلك قتلته، فأخبرت بذلك آدم، فقال لها إنه عدوّنا الذي أخرجنا من الجنة، فلما ولدت مات الولد ثم حملت مرة أخرى فقال لها إبليس مثل ذلك، فعصته فمات الولد ثم حملت مرة ثالثة فسمياه عبد الحارث طمعًا في حياته، فقوله: {جعلا له شركاء في آتاهما}: أي في التسمية لا غير، لا في عبادة غير الله، والقول الأول أصح لثلاثة أوجه: أحدها أنه يقتضي براءة آدم وزوجه من قليل الشرك وكثيره، وذلك هو حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والثاني: أنه يدل على أن الذين أشركوا هم أولاد آدم وذريته لقوله تعالى: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} بضمير الجمع، والثالث: أن ما ذكروا من قصة آدم وتسمية الولد عبد الحارث يفتقر إلى نقل بسند صحيح، وهو غير موجود في تلك القصة، وقيل: من نفس واحدة قصي بن كلاب: وزوجته وجعلا له شركاء أي: سموا أولادهما عبد العزى وعبد الدار وعبد مناف، وهذا القول بعيد لوجهين أحدهما أن الخطاب على هذا خاص بذرية قصي من قريش والظاهر أن الخطاب عام لبني آدم، والآخر أن قوله: {وجعل منها زوجها}، فإن هذا يصح في حواء لأنها خلقت من ضلع آدم، ولا يصح في زوجة قصي {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} هذه الآية رد على المشركين من بني آدم، والمراد بقوله: {ما لا يخلق شيئًا} الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله، والمعنى: أنها مخلوقة غير خالقة، والله تعالى خالق غير مخلوق فهو الإله وحده.